أزمة كورونا.. مبادرات أهلية وُلدت من رحم الكارثة الصحية
“من رحم الأزمات تولد المبادرات”، ربّما هذا الشعار الذي يمكن من خلاله توصيف المشهد اللبناني مع كل أزمة – وما أكثر الأزمات – تدق باب اللبنانيين. فيوم ارتفع سعر صرف الدولار وتراجعت قدرة المواطن الشرائية، انطلقت عشرات المبادرات الأهلية لجمع التبرعات بهدف شراء حصص غذائية بغية توزيعها على الفئات الأكثر فقراً؛ ويوم انفجر مرفأ بيروت، ظهرت عشرات المبادرت من مناطق مختلفة لتصبّ في مساعدة المنطقة المنكوبة. واليوم، مع ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا وتسجيل أرقام قياسية، ومع تراجع قدرات النظام الصحي على تلبية المرضى، ظهرت المبادرات المجتمعية والبلدية في أكثر من منطقة لشراء أجهزة تنفّس، بعد انتشار الأخبار حول حاجة المرضى لهذه المعدات.
وفي هذا الصدد، أكدت الناشطة مريم بلال في حديث لـ”أحوال” أن هناك تفشٍ كبير للفيروس في البلاد، لدرجة أنه خرج عن سيطرة الجهات الصحية المعنية، “لذا باتت مبادرات البلديات غير كافية لتلبية الاحتياجات، فقرّرنا كناشطين مستقلّين وعدد من المجموعات التدخل بهدف تقديم المزيد من الدعم للطواقم الطبية”، بحسب قولها، مضيفة: “وتحت اسم “جرعة أوكسجين”، انطلقت المبادرة بعد إنشاء صفحة على موقع “فيسبوك” لجمع التبرعات وشراء أجهزة تنفّس”.
من جهة أخرى، لفتت الناشطة بلال إلى أن شجع التجار هو ما دفعهم إلى التواصل مع أحد أصدقائهم في تركيا من أجل استقدام أجهزة بأسعار أرخص من تلك المتوفرة في الأسواق اللبنانية، مضيفة: “سنقوم بوضع جدول بالمرضى المحتاجين لهذه الماكينات، على أن يقوم فريق من المتطوعين بتوزيعها فور تأمينها ومتابعة حالة المريض من أجل إعادة تسلمها فور انتهاء حاجته إليها، ليصار إعطائها لمريض آخر”، علمًا أن هذه الأجهزة في نهاية المطاف ستُقدم لمركز سرطان الأطفال، وفقًا لـ”بلال”.
مبادرة شبابية أخرى انطلقت في منطقة “دير الأحمر”، تعمل على “تعويض غياب الدولة”، بحسب ما قال منسق المبادرة رولان جريش لموقعنا، فمع صعوبة إيجاد أجهزة تنفس لـ 4 حالات في المنطقة، في ظلّ وصول الطاقة الاستيعابية للمستشفيات إلى سعتها القصوى، وجد هؤلاء الشباب حاجة ملحّة لإطلاق خطّة إنقاذ تُساعد على تأمين عبوات أوكسجين وأجهزة تنفّس للمرضى.
المبادرة التي تحمل اسم “معك ليبقى النفس” والتي تتّخذ من نادي “دير الأحمر” مقراً لها وتغطّي 17 بلدة وقرية، تضمّ 8 متطوعين بالإضافة إلى فريق إنقاذ مكوّن من 18 متطوعًا، خضعوا لدورة تدريبية مع الصليب الأحمر اللبناني حول التعامل مع حالات كورونا وكيفية استخدام ماكينات الأوكسجين؛ وعلى مراحل، تمكّنت المبادرة من شراء 27 عبوة أوكسجين وثلاثة أجهزة تنفّس من خلال تبرّعات أبناء المنطقة من المقيمين والمغتربين.
وأشار جريش لـ”أحوال” إلى أن الوضع الصحّي الذي تمرّ به البلاد خطير جداً، كما أكّد أن حاجة المواطنين للأوكسجين تزداد مع ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس، مضيفًا: “في يوم واحد فقط، اضطررنا إلى إعادة تعبئة 30 عبوة أوكسجين”.
أما عن آلية العمل، فقال جريش: “عند تلقينا اتصال عن حالة معينة، ينطلق فريق المتطوعين لمعاينة الحالة، وحينها إما يتم إعطاء المريض نسب الأوكسجين التي يحتاجها، أو يتم التواصل مع الصليب الأحمر اللبناني لنقل الحالة إلى المستشفى”، لافتًا إلى أن متابعة الحالات تتمّ كل ساعة تقريباً، خصوصًا أن عبوة الأوكسجين تكفي لـ6 ساعات فقط، ويجب إعادة تعبئتها بعد ذلك.
“المبادرة أخذت صدىً إيجيابياً في مناطق مختلفة”، بحسب جريش الذي أشار إلى أن العديد من المجموعات الناشطة تواصلت معهم للاستفادة من تجربتهم وتكرارها في مناطقهم، موجّهًا بالمقابل رسالة لكل شخص يفكر بإطلاق هكذا مبادرة، بالقول: “إن العمل الجاد والشفّاف يدفع الناس إلى الالتفاف حول المبادرة ودعمها بشتى الطرق”.
المبادرات الأهلية لم تكن وحيدة، فإلى جانبها قامت العديد من البلديات بشراء أجهزة تنفّس لتغطية النقص الحاصل في مناطقهم، وذلك بالإستعانة بالمتبرعين من أبناء البلدة. إذاً، فرغم مأساوية المشهد الصحي في لبنان، إلا أن التكاتف والتعاون المجتمعي الذي يظهر من خلال هذه المبادرات، يساهم بتخطي مرحلة صعبة تمر بها البلاد.
مهدي كريّم